زواج النفحة .. دار الإفتاء توضح حكمه والمخاطر المترتبة عليه
,
زواج النفحة .. دار الإفتاء توضح حكمه والمخاطر المترتبة عليه
ما حكم زواج النفحة؟ فأنا أدرس بالجامعة، وأرغب بالزواج من زميلة لي ولكن أخاف من مسئوليات الأمر، وقد أخبرني بعض زملائي عن طريقة معينة للزواج تُسَمَّى بـ”زواج النفحة”، وقد تَضمَّن الاتفاق مع زميلتي وفق هذه الطريقة على ما يلي..
أوَّلًا.. أن أعطيها مبلغًا محدَّدًا من المال كمقدَّم صداقٍ في مقابل الزواج بها، مع النصِّ في العقد على مبلغ آخر من المال كمؤخر صداقٍ لها.
ثانيًا.. إن حدثَ حمل وإنجاب فقد أعترف بالأبناء.
ثالثًا.. أن أُطلِّقها في أي وقت أريد.
رابعًا.. أن نتفق على الانفصال في أي وقت نريد.
خامسًا.. أن يكون العقد بيننا على وفق الشريعة الإسلامية بحيث لا يكون النكاحُ نكاحَ متعةٍ أو محددًا بمدة.
دار الإفتاء: زواج النفحة باطل شرعًا لغياب الولي والتوثيق والإشهار علمًا بأنَّ هذا العقد يتم بمباشرة المرأة البالغة بنفسها دون وليها، ودون الإعلان، ودون التوثيق لدى الجهات الرسمية، فما حكم الإقدام على هذا العقد شرعًا؟ سؤال أجابت عنه دار الافتاء بالآتى:
إنَّ عقد النكاح المسمى بـ “زواج النفحة” يحرم إبرامه ابتداء، لما ينطوي عليه من مفاسد كبرى أهمها غياب الولي وعدم التوثيق الرسمي، وإخفاؤه وعدم إعلانه، وجعل نسب الأولاد إلى أبيهم راجع إلى الاختيار والتشهي، وكلُّ هذا مخالف للمقاصد الشرعية المعتبرة المرعية في عقد الزواج التي جاءت بها الشريعة الإسلامية من المودة، والرحمة، والسكن، وحفظ الحقوق، ودفع المفاسد، ومنع الاحتيال، ونفي التهم، وإزالة الشبهات، ولا عبرة بإطلاق الناس على عقد الزواج أسماء جديدة على حلِّه أو حُرمته.
بيان كيفية ضبط الشرع الغرائز الإنسانية بالأمر بالزواج حينما أمرَ الإسلام بالزواجِ ورغَّبَ فيه راعى الغرائزَ الفطريةَ في الإنسان، فلم يَكبِتها، ولم يُقِم أمر الدِّين على الرهبانية، فشرع الزواج ورغَّب فيه، وأمر به كلَّ مَن مَلَك أُهْبَته، فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» متفق عليه.
وقد أحاط الشرعُ الشريفُ عقد الزواج بسياجٍ من الشروط والأركان لتحقيق مقصد الاستخلاف والإعمار، والديمومة والاستمرار؛ لينأى بالبشر عن استغلال الغريزة واللهاث خلف الشهوة، وليقرِّر كرامة المرأة ويُعلِيَ شأنها، وليفرق بها بين النكاح الصحيح وبين السِّفاح.
ما يلزم لبيان حكم عقد الزواج محل السؤال إطلاق الناسِ على عقدِ الزواج أسماء جديدة لا يُؤثِّر على حل العقد أو حرمته؛ فمِن أَجْل الحُكْم على عقدِ زواجٍ بالحل أو الحرمة لا بُدَّ من تَصوُّرٍ صحيحٍ لمضمونه، دون إغراق النَّظَر لحَدَاثة اسمه، وهذا يجعل الكلام في واقعة السؤال على جهات أربعة:
الأولى.. مدى صحة تزويج المرأة البالغة نفسها من غير إذن وليها؟
الثانية.. مدى صحة العقد الذي لم يوثق فيه عقد الزواج؟
الثالثة.. الزواج سرًّا دون إعلان.
الرابعة.. احتمالية الاعتراف بالأبناء عند حدوث حمل.
تزويج المرأة البالغة نفسها من غير إذن وليها إن الفقهاء قد اختلفوا في صحة تزويج المرأة البالغة نفسها من غير إذن وليها، فذهب جمهور الفقهاء إلى عدم صحة عقد الزواج الذي تزوج فيه المرأة نفسها من غير ولي، بكرًا كانت أو ثيِّبًا، كاملة الأهلية أو ناقصتها.
قال الشيخ عليش المالكي في “منح الجليل” (3/ 266، ط. دار الفكر): [(وركنه) أي النكاح… (ولي) للمرأة بشروطه الآتية فلا ينعقد نكاح بدونه] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في “تحفة المحتاج” (7/ 236، ط. دار إحياء التراث): [(لا تزوج امرأة نفسها) ولو (بإذن) من وليها (ولا غيرها) ولو (بوكالة) من الولي] اهـ.
وقال الإمام البهوتي في “كشاف القناع” (11/ 258، ط. وزارة العدل السعودية): [الشرط (الثالث: الولي، فلا) يصح (نكاح إلا بولي)] اهـ.
وذهب الحنفية إلى أنه يُستَحبُّ لها أن توكِّلَ مِن أوليائها مَن يلي عقد نكاحها، ويُستَحبُّ أن توكِّلَ الأقرب من أوليائها؛ لأنَّ القُرب له اعتبارٌ في جملة الأحكام، وخروجًا مِن خلاف مَن أوجب وجود الولي في العقد، فإن زوَّجَت نَفْسها كان عقد الزواج صحيحًا ونافذًا شرعًا، وإن كان فِعلُها هذا خلافَ المستحب.
قال العلَّامة المَرْغِيناني في “الهداية” (1/ 191، ط. دار إحياء التراث العربي): [وينعقدُ نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها وليٌّ، بكرًا كانت أو ثيبًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، في ظاهر الرواية] اهـ.
وقال العلَّامة الزيلعي في “تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق” (2/ 117، ط. الأميرية): [قال رحمه الله: (نفذ نكاح حرَّةٍ مكلفة بلا ولي)، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية] اهـ.
وقال العلَّامة ابن عابدين في “رد المحتار على الدر المختار” (3/ 55، ط. دار الفكر): [(قوله: ولاية نَدْبٍ) أي يستحب للمرأة تفويض أمرها إلى وليها، كي لا تنسب إلى الوقاحة. “بحر”. وللخروج من خلاف الشافعي في البكر، وهذه في الحقيقة ولاية وكالة] اهـ.
على أنَّ النكاح وإن كان ينعقد صحيحًا عند الحنفية إذا باشرته المرأة بنفسها دون وليِّها، إلَّا أنَّه لا يكون لازمًا في حقِّ الولي إلَّا إذا كان من كفء لها وبمهر مثلها، فإن كان من غير كفء، أو كان بأقلَّ من مهر المثل ولم يرضَ الزوج برفعه إلى مهر المثل، كان للولي أن يطلب من القاضي رفعه إلى مهر المثل، وكان مِن حقِّ القاضي أن يُلزِمه به.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في “الأصل” (10/ 205، ط. دار ابن حزم): [وإذا زوَّجت المرأةُ نفسَها غيرَ كفءٍ، فللأولياء أن يُفَرِّقوا بينها وبينه، ولا يكون ذلك إلَّا عند قاضٍ] اهـ.
وقال العلَّامة ابن عابدين في “رد المحتار” (3/ 56): [وكذا له الاعتراض في تزويجها نفسَها بأقل من مهر مثلها، حتى يتم مهر المثل أو يفرِّق القاضي… (قوله: فيفسخه القاضي) فلا تثبت هذه الفرقة إلَّا بالقضاء] اهـ.
مدى صحة العقد الذي لم يوثق فيه عقد الزواج توثيق عقد الزواج لدى الجهات الرسمية يُعتبر واجبًا شرعيًّا ونظاميًّا في الوقت الحاضر، لما يترتب عليه من حفظ الحقوق ودفع المفاسد، إذ إن تعمد إخفاء الزواج عن الجهات المختصة بعدم تسجيله يُعدُّ مخالفًا للشرع؛ لأن التوثيق يساهم في نفي التهم، وإزالة الشبهات، وحماية الحقوق، ومنع الاحتيال. وقد أشار إلى ذلك العلامة الشيخ حسنين مخلوف في “فتاويه” (ص: 90، ط. دار الكتاب العربي).
ثم إنّه قد تبيَّن لولاة الأمر، مع تزايد الناس وانتشار الفساد الأخلاقي، وظهور مشكلات إنكار الزيجات والأنساب، وإهدار حقوق النساء، وغيرها من المفاسد المستحدثة، أن توثيق عقد الزواج لدى الجهات الرسمية هو الوسيلة الفعّالة لضمان حفظ هذه الحقوق بعد استيفاء أركان الزواج الشرعية.
ويستند هذا الحكم إلى ما روي عن الإمام القاضي شريح رضي الله عنه، حين سُئل عن إحداثه في القضاء، فقال: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا، فأَحْدَثْتُ” أخرجه الإمامان: ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (6/ 183، ط. دار الكتب العلمية)، وابن أبي شيبة في “المصنف” (7/ 271، ط. مكتبة الرشد).
وعن الخليفة العادل عُمَر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: “تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ” اهـ. نقلًا عن “الذخيرة” للإمام شهاب الدين القَرَافِي (8/ 206، ط. دار الغرب الإسلامي).
وتوثيق عقد الزواج يتماشى مع مقاصد…..
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر “إقرأ على الموقع الرسمي” أدناه
المزيد من صحيفة اليوم السابع
الأكثر تداولا في مصر