يحيي العالم اليوم العالمي لكبار السن ونستعرض أجمل الأفلام التي تصدّت لموضوع الشيخوخة والنسيان،...
,
يحيي العالم اليوم العالمي لكبار السن ونستعرض أجمل الأفلام التي تصدّت لموضوع الشيخوخة والنسيان، كل منها بعدسته الخاصة
في الأول من أكتوبر، يحيي العالم تحت مظلة الأمم المتحدة “اليوم العالمي للمسنين International Day of Older Persons”، مناسبة لا تقتصر على التذكير بالشيخوخة كحقيقة بيولوجية، بل كمعضلة إنسانية وثقافية تتطلب إعادة النظر في مفهوم الكرامة، الذاكرة، والزمن، وكما تعبّر الأمم المتحدة في بياناتها، فإن شيخوخة العالم لم تعد مجرد قضية فردية، بل واقع أممي يستدعي تضامنًا اجتماعيًا وسياسات إنسانية تحمي كبار السن من العزلة والتهميش، والسينما، باعتبارها مرآة للوعي الجمعي، لعبت دورًا بالغ الأهمية في استكشاف هذه الهشاشة، وصاغت عبر أفلامها ملحمة موازية لخطاب الأمم المتحدة: ملحمة تعيد الاعتبار للإنسان في مواجهة التآكل الحتمي للجسد والذاكرة.
في هذا التقرير، نستعرض أجمل الأفلام التي تصدّت لموضوع الشيخوخة والنسيان، كل منها بعدسته الخاصة، وكلها مجتمعة كوثيقة جمالية وأخلاقية تحفظ للإنسان مكانته أمام أعنف سؤالين: الزمن والموت.
هذه الأفلام، تم اختيارها استنادا على تقييمات النقاد والجمهور والجوائز العالمية، وما يجمعها أنها تقدم قصصا تمتزج فيها الشاعرية بالفلسفة، تقدم صورًا متنوعة للشيخوخة من طوكيو إلى باريس، ومن هوليوود إلى الريف الأمريكي، لتؤكد أن الكرامة الإنسانية تبقى آخر ملاذ في مواجهة النسيان والفقدان.
قصة طوكيو (Tokyo Story, 1953): وحدة صامتة في زمن التحضر تخيّل نفسك في قرية أونوميتشي الهادئة، حيث يحزم الزوجان المسنان شوكيتشي وتومي هيراياما (تشيشو ريو وتشييكو هيغاشيياما) حقائبهما بحلم بسيط: زيارة أبنائهما في طوكيو. لكن في Tokyo Story، تحفة ياسوجيرو أوزو، تتحول هذه الرحلة إلى مرثية صامتة لعائلة تتفكك تحت وطأة الحداثة.
الأبناء، غارقون في روتينهم، ينظرون إلى والديهم كعبء، يرسلونهما إلى منتجع صاخب لا يناسب هدوءهما، وسط هذا الإهمال، تبرز نوريكو (سيتسوكو هارا)، أرملة ابنهما، كشعاع حنان، تمد يدها بحب لا يعرف القرابة. في مشهد يعتصر القلب، يقف شوكيتشي على رصيف المحطة، عصاه ترتجف، والقطار يبتعد حاملًا أبناءه، بينما صوت صفاره يملأ الفضاء كأنه ينعي الروابط المفقودة. عندما تموت تومي بعد عودتها، يدرك الأبناء قيمتها متأخرًا، بينما يهمس الأب: “لو كنت أعلم أن الأمور ستنتهي هكذا، لكنت أظهرت لها مزيدًا من اللطف.
العيش وحيدًا سيجعل الأيام طويلة جدًا “ياسوجيرو أوزو، بعينه الشاعرية، يستخدم لقطات “التاتامي” المنخفضة، كأن الكاميرا تجلس مع الشخصيات في صمتها، تلتقط ابتساماتهم المجاملة ونظراتهم المثقلة بالخيبة. السيناريو، الذي كتبه مع كوجو نودا، يتجنب الميلودراما، مفضلاً حوارات يومية تخفي جرحًا عميقًا. تشيشو ريو يجسد شوكيتشي بوقار هادئ، بينما سيتسوكو هارا تجعل نوريكو رمزًا للرحمة في عالم يفقدها. الموسيقى الخافتة لكوجيرو تاكي تضيف طبقة من الحنين، كأنها تعزف ذكريات عائلة كانت يومًا موحدة.
الطاقم والتفاصيل التقنية:
المخرج: ياسوجيرو أوزو Yasujiro Ozu
السيناريو: ياسوجيرو أوزو وكوجو نودا Yasujiro Ozu and Kogo Noda
المدة: 136 دقيقة
الأبطال:
تشيشو ريو (شوكيتشي هيراياما) Chishu Ryu (Shukichi Hirayama)
تشييكو هيغاشيياما (تومي هيراياما) Chieko Higashiyama (Tomi Hirayama)
سيتسوكو هارا (نوريكو) Setsuko Hara (Noriko)
هاروكو سوجيمورا (شيغي) Haruko Sugimura (Shige)
التقييمات النقدية:
Rotten Tomatoes: 100% (متوسط 9.4/10 9.4/10).
IMDb: 8.1/10.
الجوائز:
جائزة أفضل ممثلة Best Actress (هاروكو سوجيمورا Haruko Sugimura) في Mainichi Film (1953).
جائزة Sutherland Trophy من BFI (1957).
إذا كانت طوكيو تمثل الإهمال في عالم متسارع، فماذا عن روما، حيث يواجه رجل عجوز الفقر وحيدًا مع كلبه؟ دعونا ننتقل إلى قصة أخرى عن الكرامة في مواجهة الوحدة. أومبرتو دي (Umberto D., 1952): الحب في وفاء الصديق تخيّل رجلاً عجوزًا يسير في شوارع روما، بذلته البالية تروي قصة أيام كان فيها معلمًا محترمًا، وكلبه الصغير فليك يتبعه كأنه الصديق الوحيد في عالم لم يعد يبالي، هكذا يبدأ Umberto D تحفة الواقعية الجديدة الإيطالية من فيتوريو دي سيكا (Vittorio De Sica)، تروي قصة أومبرتو دومينيكو فيراري، معلم متقاعد في روما ما بعد الحرب، يواجه الفقر والطرد من سكنه مع كلبه فليك كرفيق وحيد. الفيلم يعكس أزمة الفقر في إيطاليا وإهمال المسنين، باستخدام ممثلين غير محترفين ولقطات طويلة لتعزيز الصدقية.
في فيلم Umberto D (1952) للمخرج فيتوريو دي سيكا، نتابع قصة موظف حكومي متقاعد يعيش وحيدًا في غرفة متواضعة برفقة كلبه “فلاك”. كان يومًا ما رجلاً أنيقًا ومحترمًا، لكن معاشه الضئيل لم يعد يكفي لدفع الإيجار أو حتى لضمان وجبة يومية. مالكة المنزل الجشعة تهدده بالطرد، وشيئًا فشيئًا يجد نفسه على حافة الفقر والتشرد، بينما يحاول الحفاظ على كرامته حتى اللحظة الأخيرة.
عزلة الشيخوخة وصداقة الكلب أمبيرتو لا يملك إلا القليل، لكن علاقته بكلبه تمنحه معنى للحياة. يطعمه من طعامه القليل، ويخشى عليه أكثر من خوفه على نفسه. وحين يفقده للحظات ويضطر للبحث عنه بين الكلاب الضالة المهددة بالقتل في المأوى، يختبر واحدًا من أقسى وجوه الشيخوخة: أن يواجه الفقد وهو بلا سند. حضور الكلب لا يُقدَّم كوسيلة لاستدرار الدموع، بل كرباط طبيعي بين كائنين لا يملكان إلا الوفاء.
كرامة مهددة الفيلم يرصد صراع الشيخوخة مع الفقر دون أي ميلودراما. حين يفكر أمبيرتو في الانتحار، يفعل ذلك بعقلانية مدهشة، كأنها خطوة مدروسة لا مشهد مأساوي مفتعل. وحين يجرّب أن يمد يده طلبًا للصدقة، يكتشف أنه غير قادر على إذلال نفسه، حتى لو كان ذلك ثمن البقاء. وفي لحظة مؤثرة، يرفض أن يحوّل كلبه إلى متسول بقبعة يمدها للناس، لأنه يرى أن في ذلك إهانة مضاعفة لكرامته وكرامة رفيقه.
الشيخوخة كاختبار للصبر لا يُقدّم الفيلم نهاية سعيدة؛ لا معجزة تنقذ أمبيرتو، ولا ثروة تهبط من السماء. بل يظل قدره أن يستمر، مستندًا إلى عزيمته ووفاء كلبه. هنا تكمن قوة العمل: الشيخوخة ليست مجرد ضعف أو انتظار موت، بل صراع يومي مرير للحفاظ على ما تبقى من الكرامة. وربما هذه القدرة على التحمّل، لا أي “سعادة” مصطنعة، هي الانتصار الحقيقي في حياة أمبيرتو.
الانتصار الآخر تمثل في ردود الأفعال عقب عرض العمل حيث أثار الفيلم نقاشات حول الفقر بين المسنين في إيطاليا، وألهم الجهات التشريعية سن قوانين لتحسين أوضاع المتقاعدين.
الطاقم والتفاصيل التقنية:
المخرج: فيتوريو دي سيكا Vittorio De Sica
السيناريو: تشيزاري زافاتيني Cesare Zavattini
المدة: 89 دقيقة
الأبطال:
كارلو باتيستي (أومبرتو فيراري) Carlo Battisti (Umberto Ferrari)
ماريا بيا كاسيليو (ماريا) Maria Pia Casilio (Maria)
لينا جيناري (أنطونيا) Lina Gennari (Antonia)
التقييمات النقدية:
Rotten Tomatoes: 98% (متوسط 9.0/10 9.0/10).
IMDb: 8.2/10.
الجوائز:
ترشح لجائزة الأوسكار أفضل سيناريو أصلي Best Original (1957).
جائزة أفضل فيلم أجنبي Best Foreign Film من New York Film Critics Circle (1955).
ومن روما إلى طوكيو مرة أخرى، حيث يواجه رجل عجوز موتًا وشيكًا، ليكتشف معنى الحياة في أيامه الأخيرة. أعيش Ikiru (1952): الحياة في مواجهة الموت في مكتب بيروقراطي قاتم في طوكيو، يجلس كانجي واتانابي (تاكاشي شيمورا)، موظف ملقب بـ”المومياء”، عاش ثلاثين عامًا خلف أكوام الأوراق دون أن يترك أثرًا، وتتبدل حياته إلى النقيض، عبر عدسة أكيرا كوروساوا (Akira Kurosawa) التي تقدم درسًا فلسفيًا عن معنى الحياة.
في بداية الفيلم يخبرنا صوت الراوي بأن واتانابي مصاب بسرطان المعدة، لكنه لا يعرف بعد. وهكذا تبدأ رحلته الأخيرة: مواجهة الموت الذي يقترب بسرعة، ومواجهة حياة طويلة لم يعشها حقًا.
لحظة الغناء وسط الصمت في مشهد مؤثر، يدخل واتانابي إلى قاعة، ويطلب من عازف البيانو أغنية قديمة: «الحياة قصيرة أحبّي يا فتاة». يبدأ في غنائها بصوت خافت، بالكاد يحرك شفتيه، لكن صوته يُسكت القاعة كلها، كأنهم يدركون مع هذا الرجل أن العمر أقصر مما يظنون. هنا يتكشف لنا أن الخوف الأكبر ليس الموت، بل مرور العمر بلا معنى.
واتانابي، الملقب في مكتبه بـ”المومياء”، يجد نفسه غريبًا حتى عن ابنه، الذي لا يهتم بمرضه بقدر اهتمامه بالميراث. يعود الرجل إلى بيته باكيًا تحت البطانية، بينما تظل أمامه شهادة تكريم عقيمة بعد 25 عامًا من الخدمة. عندها يصرخ في وجه نفسه: «لا أستطيع أن أموت… فأنا لا أعرف لماذا عشت كل هذه السنوات».
صحوة متأخرة من خلال صحبته لشابة بريئة تترك عملها، يبدأ واتانابي في إدراك أنه لا يريد أن ينهي حياته خاوي الوفاض. يقرر أن يترك خلفه شيئًا واحدًا صالحًا: حديقة للأطفال في حي مهمل، بدلًا من بركة راكدة كانت تجلب الأمراض. يصبح “المومياء” أكثر حياة من كل من حوله، يتنقل بين المكاتب والدوائر ليواجه البيروقراطية التي كان جزءًا منها طوال عمره.
الموت كولادة ثانية يموت واتانابي في النهاية، لكن صورته الأخيرة تبقى عالقة في الذاكرة: يجلس على أرجوحة في الحديقة التي ساهم في بنائها، يغني الأغنية نفسها، بينما الثلج يتساقط من حوله. ليس مشهدًا للبؤس، بل إعلانًا صغيرًا بأن الشيخوخة، حتى في أيامها الأخيرة، قادرة على أن تجد معنى جديدًا للوجود.
الدرس الذي يبقى يتركنا كوروساوا مع جنازة واتانابي، حيث يتجادل الأهل والزملاء حول “سر” تحوّله الأخير. لكننا نحن، الذين شهدنا رحلته، نعرف أن السر ليس سوى قرار متأخر بأن يعيش حقًا. في النهاية، يذكّرنا Ikiru بأن الخوف الأكبر ليس الموت، بل حياة بلا أثر.
الطاقم والتفاصيل التقنية:
المخرج: أكيرا كوروساوا Akira Kurosawa
السيناريو: أكيرا كوروساوا، شينوبو هاشيموتو، هيديو أوغوني Akira Kurosawa, Shinobu Hashimoto, Hideo Oguni
المدة: 143 دقيقة
الأبطال:
تاكاشي شيمورا (كانجي واتانابي) Takashi Shimura (Kanji Watanabe)
ميكي أوداغيري (تويو) Miki Odagiri (Toyo)
التقييمات…..
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر “إقرأ على الموقع الرسمي” أدناه
المزيد من مجلة سيدتي
الأكثر تداولا في عالم حواء