هل ترفع الحرب التجارية سعر فنجان قهوتك اليومي؟

تعيش سوق القهوة العالمية حالة من الغليان غير المسبوق بعد إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية جديدة على واردات القهوة البرازيلية، في خطوة تهدد بإعادة رسم خريطة التجارة في واحدة من أكثر السلع الزراعية تداولاً في العالم. القرار، الذي يستهدف بالأساس بن الأرابيكا الفاخر، يضع منتجي ومصدري القهوة في العالم أمام تحديات اقتصادية وتجارية واسعة، وسط مخاوف من ارتفاع الأسعار عالمياً وتأثر المستهلكين في الأسواق الأميركية والدولية على حد سواء.
في هذا الموضوع نلقي الضوء على أهم منتجدي القهوة حول العالم، ومدى التأثير المحتمل لتلك الرسوم على سعر فنجان القهوة اليومي.
أكبر مُصدري ومُنتجي القهوة عالمياً
تحتفظ البرازيل بموقعها كأكبر مُصدر للبن في العالم، حيث صدّرت 44.25 مليون كيس (سعة 60 كيلوغراماً للكيس) خلال موسم 2024/25، وهو ما يمثل نحو 30.07% من إجمالي الصادرات العالمية، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية الصادر في يونيو 2025. ويُتوقع تراجع حجم الصادرات إلى 41.75 مليون كيس في موسم 2025/26.
جاءت فيتنام في المركز الثاني بواقع 25.8 مليون كيس، بما يعادل 17.53%، وهو حجم مرشح للارتفاع إلى 27.9 مليون، ثم كولومبيا بـ12.3 مليون كيس (8.36%) ويُتوقع انخفاض صادراتها إلى 11.8 مليون. وجاءت إثيوبيا رابعة بـ7 ملايين كيس،  أي 4.76% من الإجمالي، مع ترجيحات بارتفاعه إلى 7.8 مليون كيس، تليها إندونيسيا بـ7.25 مليون، بحصة 4.93% من الإجمالي، وأوغندا بـ6.35 مليون (4.32%)، والهند بـ6.2 مليون (4.22%)، والاتحاد الأوروبي بـ5.25 مليون (3.57%).

بالنسبة لقائمة الدول المنتجة للقهوة، فقد جاءت البرازيل في الصدارة بحصة 37% من الإنتاج العالمي، وبإجمالي إنتاج يُقدر بـ64.7 مليون كيس، بحسب أحدث بيانات صادرة عن وزارة الزراعة الأميركية لموسم 2024/2025. ثم تأتي فيتنام بحصة 17% من الإنتاج العالمي، أي ما يعادل 29 مليون كيس، ثم كولومبيا بنسبة 8% و13.2 مليون.
تأتي بعد ذلك إندونيسيا وإثيوبيا، حيث ينتج كل منهما نحو 10.7 مليون كيس و10.63 مليون كيس على التوالي، بحصة 6% لكل دولة.
في أفريقيا، تُعد أوغندا من أبرز المنتجين، حيث بلغ إنتاجها 6.7 مليون كيس (4% من الإنتاج العالمي)، فيما تسجل الهند 6.2 مليون كيس (4%)، وهندوراس 5.52 مليون (3%)، وتنتج بيرو والمكسيك نحو 3.88 و3.78 مليون كيس سنوياً (2% لكل منهما).
يُتوقع أن يرتفع إنتاج البن العالمي في موسم 2025/26 بنحو 4.3 مليون كيس ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 178.7 مليون، بدعم من تعافي فيتنام وإندونيسيا، وإنتاج قياسي لإثيوبيا. كما يُتوقع أن ترتفع الصادرات بمقدار 700 ألف كيس لتصل إلى 122.3 مليون كيس، بفضل مكاسب هذه الدول الثلاث مقابل التراجع في البرازيل وكولومبيا.
تحولات في خريطة تجارة القهوة
فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات القهوة من البرازيل، في خطوة تُعد تصعيداً سياسياً أكثر منه تجارياً، إذ ربطتها إدارة دونالد ترمب باتهامات لحكومة البرازيل بالتضييق على حرية التعبير وقمع الرئيس السابق جايير بولسونارو، لتصبح بذلك حبوب البن ضحية جانبية لصراع أوسع.
ويؤكد محللون أن استبعاد القهوة من قائمة الإعفاءات الأميركية يعكس استهدافها كورقة مساومة سياسية في الخلاف بين واشنطن وبرازيليا.
من الناحية الاقتصادية، تقلب الرسوم الجمركية أوضاع تجارة القهوة وترسم مسارات جديدة للشحن والتوزيع عالمياً. فالولايات المتحدة تعتمد على الاستيراد لتلبية حوالي 99% من استهلاكها نظراً لعدم ملاءمة مناخها لزراعة البن على نطاق واسع. وكانت البرازيل أكبر مزود لأميركا، إذ توفر نحو ثُلث استهلاكها، بواقع 8.1 ملايين كيس خلال 2024 فقط، لكنها فقدت الآن قدرتها التنافسية هناك بسبب الرسوم الهائلة، ما يدفعها للبحث عن أسواق بديلة.
لصوص البرازيل يجدون في البن غنيمتهم.. تعرف على التفاصيل من هنا.
كذلك، تتزعزع المراكز التقليدية في سوق البن، فالبرازيل مضطرة لتغيير وجهتها، فيما تبدو الصين أكبر المستفيدين باعتماد 183 مُصدراً للبن البرازيلي ونمو استهلاكها 20% سنوياً خلال العقد الأخير. ورغم أن وارداتها من البن البرازيلي أقل بكثير من السوق الأميركية، فإنها تتزايد عبر صفقات ضخمة لشراء مئات آلاف الأطنان من البن البرازيلي في السنوات المقبلة، فيما تسعى البرازيل لزيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي المعفي من الرسوم.
يمكن أن يلتف بعض التجار على الرسوم عبر شحن البن البرازيلي لدول ثالثة كالمكسيك أو بنما ثم يعيدوا تصديره لأميركا، ما قد يخفض أثر الرسوم إلى 10% و15%، رغم التكاليف اللوجستية الإضافية.
وفي الولايات المتحدة، تتسابق شركات القهوة المحلية لإعادة توجيه إمداداتها نحو أميركا الوسطى وأفريقيا لتعويض حبوب البرازيل، لكن المنافسة على هذه المصادر سترفع الأسعار وتقلل المعروض بالنسبة للمستوردين الأميركيين.
تحركات كبار المصدرين لصد الرسوم
فرضت الرسوم الأميركية على القهوة البرازيلية واقعاً جديداً يهدد موقع البرازيل التقليدي كمورد أول للسوق الأميركية. ووفق محللي “رابوبنك”، فإن البن البرازيلي سيفقد حصته لصالح منتجين يتمتعون برسوم أقل أو معدومة، فيما قدر مجلس مصدري القهوة أن تراجع الطلب الأميركي سيخلق فائضاً يصعب استيعابه في أسواق بديلة.
هذا الواقع دفع البرازيل لطلب مشاورات مع منظمة التجارة العالمية، في خطوة تعكس تحولاً في العلاقات التجارية بين البلدين.
وعلى المستوى المحلي، وصفت رابطة صناعة القهوة البرازيلية القرار بأنه “ضربة قاسية” للعلاقات التجارية، بينما اعتبره مجلس مصدري القهوة “قراراً بلا فائزين” يضر بالمزارعين البرازيليين والمستهلكين الأميركيين على حد سواء.
وأكد المدير العام للمجلس ماركوس ماتوس أن القهوة صناعة حيوية أيضاً للاقتصاد الأميركي، فهي تمثل نحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي وتدعم 2.2 مليون وظيفة، إذ يخلق كل دولار من القهوة المستوردة حوالي 43 دولاراً من القيمة المضافة داخل الولايات المتحدة.

في أفريقيا، قد تتأثر ساحل العاج، أحد كبار منتجي روبوستا، رغم أن السوق الأميركية ليست وجهتها الرئيسية، إذ يضغط أي اضطراب في الطلب أو تغير في أنماط الاستيراد على قدرتها التنافسية. ورغم خفض الرسوم على السلع الأفريقية إلى 10-15%، تبقى المخاطر قائمة، مع إمكانية استفادتها جزئياً كبديل للبرازيل لكن بقدرات محدودة أمام فيتنام.
في الوقت نفسه، تتصدر فيتنام قائمة البدائل برسوم 20% تمنحها تنافسية أعلى، فيما يُتوقع مزج المزيد من روبوستتها لتعويض نقص أرابيكا البرازيل، رغم تأثير ذلك على المذاق. كولومبيا مرشحة أيضاً للاستفادة، إلى جانب دول مثل هندوراس وإثيوبيا، بينما قد تدخل غواتيمالا وأوغندا السوق الأميركية إذا غطت الأسعار تكاليف الشحن.
كذلك، حذرت منظمة البن الدولية من أن الرسوم الأميركية قد تقلل شحنات البرازيل إلى الولايات المتحدة وتؤثر سلباً على سوق القهوة العالمية. كما تُحذر منظمة “فير تريد” من أن تسليح السلع الزراعية، خاصة تلك التي لا يمكن زراعتها في أميركا، بالعقوبات يضر المستوردين والمصدرين على حد سواء.
طالع أيضاً: جفاف حاد يهدد إنتاج قهوة “أرابيكا” في البرازيل خلال 2025
على صعيد الشركات العالمية، جاء التحرك حثيثاً، فعلى سبيل المثال واجهت “ستاربكس” ضغوطاً فورية على أسهمها خلال الجلسات التالية لإعلان الرسوم الجمركية. وقد أكد الرئيس التنفيذي براين نيكول أن الشركة ستحافظ على استقرار الأسعار خلال 2025، لكنه لم يستبعد إمكانية رفعها لاحقاً، قائلاً: “سنكون أذكياء حول كيفية زيادة أي من هذه الأسعار”. يُذكر أن “ستاربكس” تستورد من 30 دولة مختلفة، مع تقدير أن 22% من تكلفة قهوتها في أميركا الشمالية تأتي من البرازيل، وأن الشركة توسع استثماراتها في أميركا الوسطى منذ أواخر العام الماضي لتقليل الاعتماد على البرازيل.
أما “نستله”، فتعتمد على انتشارها العالمي لتعديل سلاسل التوريد، مستفيدة من استثماراتها في مصانع معالجة بن بالمكسيك ومزارع روبوستا هناك لتوفير بديل قريب من السوق الأميركية بلا رسوم جمركية.
أسعار القهوة بعد الرسوم
أشعلت رسوم ترمب على القهوة البرازيلية موجة ارتفاع فورية في الأسواق، إذ قفزت أسعار العقود الآجلة في بورصة إنتركونتننتال 8% خلال أسبوع.
كما سجلت عقود أرابيكا أعلى مستوى في 3 أسابيع رغم توقعات بحصاد وافر في البرازيل.
ويعني ذلك فنجان قهوة أغلى ثمناً للمستهلك الأميركي، مع تحذيرات قطاع الأغذية والمشروبات من تغذية التضخم الأميركي ورفع أسعار سلع أساسية.
سوق القهوة في الشرق الأوسط
تتأثر أسواق الشرق الأوسط أيضاً، رغم أن الرسوم موجهة بالأساس للسوق الأميركية، بسبب ترابط الأسواق العالمية، فارتفاع الأسعار في البورصات الدولية ينعكس مباشرة على تكاليف الاستيراد. 
ومع ذلك، قد تستفيد بعض الدول من بحث البرازيل عن منافذ بديلة في أوروبا وآسيا، ما يتيح فرصاً للحصول على البن بأسعار تفاوضية.

وتشهد المنطقة طفرة في ثقافة القهوة، مع نمو سوق المقاهي ذات العلامات التجارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكثر من 11% خلال عام واحد حتى أواخر 2024 لتتجاوز 11 ألف مقهى، مدفوعة بزيادة السكان الشباب وارتفاع القدرة الشرائية.
وفي الإمارات، أظهرت بيانات مؤسسة “يورومونيتور” أن السوق واصلت التوسع رغم ارتفاع الأسعار، مستفيدة من قوة الاقتصاد وقدرة المقاهي على تمرير زيادات طفيفة في تكلفة البن دون خسارة العملاء.
لكن المستهلك المنزلي سيشعر بالضغط، إذ سترفع شركات التحميص والتعبئة أسعار البيع لتغطية التكاليف، بينما قد يتجه المستهلكون في الدول ذات الدخل المتوسط أو المنخفض نحو خلطات أرخص أو مشروبات بديلة.
ورغم ذلك، يظل الطلب على القهوة في المنطقة مرناً، مدعوماً بمكانتها الثقافية والاجتماعية، ما يمنح الأسواق قدرة على امتصاص الصدمات قبل أي تراجع ملحوظ في الاستهلاك.
أكثر أنواع القهوة تأثراً
يُعد بن أرابيكا الأكثر تأثراً بالرسوم الأميركية الجديدة، إذ يشكل هذا النوع الفاخر ذو النكهة الغنية نحو 60%-70% من إنتاج القهوة العالمي، وفق مفوضية التجارة الأميركية الدولية، ويمثل الحصة الكبرى من صادرات البرازيل إلى الولايات المتحدة. ويعتمد عليه شركات كبرى مثل “ستاربكس” التي تستخدمه حصراً، ما يجعل الرسوم ضربة مباشرة لسلاسل الإمداد.
اقرأ أيضاً: ضغوط رسوم ترمب تصل إلى قهوة “أرابيكا”
في المقابل، يتأثر بن روبوستا بدرجة أقل، إذ تستورده الولايات المتحدة بكميات محدودة، ويُستخدم أساساً في القهوة سريعة التحضير وخلطات الإسبريسو التجارية. يتميز الروبوستا بسعره الأرخص ومحتواه الأعلى من الكافيين، ويشكل 30% إلى 40% من الإنتاج العالمي، وقد يدفع ارتفاع الأرابيكا بعض المحامص لاستبدال جزء منه بالروبوستا لتقليل التكلفة. أما أصناف مثل ليبيريكا، فحصتها ضئيلة جداً عالمياً ولا يُتوقع أن يكون لها تأثير يُذكر في ظل الرسوم الحالية.