خزعل الماجدي: بين وهم التمجيد وتزوير التاريخ

في السنوات الأخيرة، برز اسم خزعل الماجدي بوصفه “باحثًا” في التاريخ والأديان القديمة، واستطاع أن يكوّن حوله هالة إعلامية من التمجيد المتكرر، حتى بدا وكأنه مرجع في كل شيء من أديان ما قبل التاريخ إلى الحضارات القديمة، إلى علم الأساطير المقارن. غير أن القراءة الدقيقة والمتأنية لأعماله تضع أمامنا العديد من علامات الاستفهام، بل والاتهام، حول مصداقيته العلمية، ومنهجيته، وأمانته في النقل والبحث. ١. ادعاء ارتباطه بجامعة لايدن: تضليل متعمد من أوضح الأمثلة على هذا التضليل أنه كثيرًا ما يتم تقديم خزعل الماجدي — وأحيانًا يقدّم نفسه — على أنه “دكتور من جامعة لايدن الهولندية”، أو أنه يحاضر فيها. غير أن هذا الادعاء عارٍ تمامًا عن الصحة. جامعة لايدن، بوصفها إحدى أعرق جامعات أوروبا في الدراسات الشرقية والتاريخ والأديان، لا تعترف له بأي صفة أكاديمية رسمية — لا كعضو هيئة تدريس، ولا كباحث منتسب، ولا حتى كزميل زائر. لقد تم التحقق من ذلك مرارًا من مصادر داخل الجامعة، ولم يُعثر على أي سجل أكاديمي له هناك. إن تقديم هذه الصفة الزائفة يهدف إلى تضخيم صورته أمام الجمهور غير المتخصص، وإكسابه شرعية وهمية في ميادين البحث العلمي الرصين. ٢. تحويل الأسطورة إلى تاريخ: صوغ أوهام ذهنية واحدة من أبرز ممارسات الماجدي هي أنه يحوّل الميثولوجيا إلى “تاريخ بديل” بلا أسانيد علمية، ويتعامل مع الأساطير وكأنها سجلات تاريخية مثبتة. في مؤلفاته، يتبنّى منهجًا يقارب الخرافة من زاوية التصديق المطلق، فيحوّل الأساطير والأساطير المؤسسة إلى روايات تاريخية، بدون التمييز الضروري بين الرمز والأسطورة والواقعة التاريخية المدعمة بالأدلة. هو لا يقدم تأصيلًا علميًا أو تحليلاً نقديًا للأسطورة باعتبارها خطابًا ثقافيًا أو أيديولوجيًا، بل يُدخلها ضمن منظومة سردية يروج لها كـ”تاريخ حقيقي”، في طمس واضح للحدود بين ما هو خيالي وما هو موثق بأدلة مادية وأركيولوجية. ٣. إضفاء تاريخ لدول لا تاريخية وطَمْس لتواريخ حقيقية الخطورة الأكبر في أطروحاته هي محاولته إضفاء طابع “حضاري عريق” على كيانات لا تمتلك تاريخًا حضاريًا مثبتًا مثل الإمارات، في المقابل يعمل على تهميش أو طمس تواريخ شعوب ومجتمعات لها جذور حضارية حقيقية مثل اليمن. بمنهجه هذا، لا يقتصر على تحريف الحقائق، بل يعيد تشكيل الخريطة الثقافية والتاريخية للمنطقة حسب أهوائه، وهو ما يشكل تشويهًا مقصودًا للوعي العام. إنه يسعى إلى إنتاج سردية تاريخية زائفة تخدم خطابًا معيّنًا، ويعتمد في ذلك على تجميع شذرات من الأساطير والقصص الشعبية ليدعم بها مزاعمه، لكنه يتجاهل في المقابل علم الآثار، وتحليل المخطوطات الأصلية، والدراسات الأكاديمية المعتبرة. ٤. غياب المنهج العلمي: بناء على رغبات لا على منهجية ما يزيد الطين بلّة، هو أن خزعل الماجدي لا يمتلك أي منهج علمي صارم في مقاربته للمواضيع التي يتناولها. كتاباته خالية من الإحالات الموثوقة إلى مصادر أكاديمية مُحكمة، أو إلى أعمال علمية معترف بها دوليًا. هو يعتمد في الغالب على اجتهادات شخصية وانتقائية تفتقر إلى التوثيق المتين، ويغرق في التأويلات الذاتية والفرضيات غير القابلة للتحقق، ما يجعله أقرب إلى كاتب خيالي منه إلى باحث علمي. وأسلوبه يعتمد على:  إبهار القارئ العامي بالمعلومات الغزيرة غير الدقيقة.  الإكثار من المصطلحات الأسطورية لإضفاء هالة من العمق.  الإغراق في التفاصيل المبهرة التي لا يمكن للقارئ التحقق منها بسهولة. هذه السمات تُفقد أعماله المصداقية الأكاديمية، وتجعل منها أقرب إلى الكتابات الترويجية الشعبية منها إلى الدراسات العلمية الرصينة. ٥. خطورة تأثيره في الوعي العام لعل أخطر ما في مسيرة خزعل الماجدي هو تأثيره على الوعي الثقافي العربي. فبدل أن يُسهم في رفع الوعي التاريخي والمعرفي بمقاربات علمية رصينة، أصبح يقدّم للقارئ العربي سرديات سطحية ومضللة، تُغري الباحثين عن إجابات سريعة عن التاريخ القديم بأساطير مُحبكة، لكنها أبعد ما تكون عن الحقائق التاريخية. إن هذا النمط من التأليف يفتح الباب واسعًا أمام الأسطرة الزائفة للتاريخ، ويُرسّخ ثقافة شعبوية تقوم على أوهام عوضًا عن العلم. من هنا، فإن نقد ظاهرة خزعل الماجدي لا يُعدّ مجرد خلاف شخصي أو علمي، بل هو دفاع عن نزاهة البحث الأكاديمي في مواجهة حملات التشويه والتزوير المتعمّد. الخلاصة: خزعل الماجدي هو نموذج لما يمكن تسميته بـ”صناعة الباحث المزيّف”، الذي يعتمد على الأساطير والأهواء الشخصية بدل المنهج العلمي الموثوق، ويُروج لنفسه بادعاءات أكاديمية غير صحيحة مثل الانتساب إلى جامعة لايدن، في حين أن إنتاجه الفكري يفتقر إلى النزاهة الأكاديمية والمنهجية البحثية. بين تمجيد زائف وتزوير ممنهج، وبين خرافات ذهنية يقدّمها كحقائق، وبين طمس لتاريخ الشعوب الحقيقية وتزييف لتاريخ آخرين — تكمن خطورة مشروع الماجدي على الثقافة العامة وعلى الوعي التاريخي العربي *(من صفحة الكاتب على الفيس بوك) شارك الخبر