النصر في اليمن.. حلم أم طريق شاق؟
عقب سقوط الديكتاتور السوري بشار الأسد، دشنت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن حملة تستنهض الحكومة، وتبشر بقرب سقوط جماعة الحوثي، ذراع إيران في اليمن، ما جعل الكثيرين يترقبون التطورات في اليمن، خاصة بعد تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا، خصوصًا مع حزب الله في لبنان وديكتاتور سوريا، حيث بدت أذرع إيران عارية، بدون الهالة الإعلامية التي صدّرتها عن نفسها للشارع. ولكن هل بالفعل لحظة النصر في اليمن، وإسقاط جماعة الحوثي قد اقتربت؟ وهل يمكن أن تتطور الأحداث فجأة كما في سوريا، ويفيق اليمنيون من كابوس حرمهم الراحة والاستقرار منذ عشر سنوات؟ قد يكون هذا الأمر معقدًا بعض الشيء، لكنه ممكن نظريًا على الأقل. ولتحويل الحلم إلى واقع، ربما نحتاج إلى العديد من الشروط الموضوعية لتحقيقه. إن ديناميكية التحول وقوانين النصر بحاجة إلى دافع وجهد؛ فالمقدمات، وإن بدت غير بارزة، فهي حاسمة للوصول إلى نتائج واضحة. لذا، فإن النصر في اليمن، برغم توفر البيئة والظروف بل والعديد من الشروط على المستوى الشعبي، إلا أنهم بحاجة إلى جهد أكبر، برأيي، وعمل شاق لتحقيقه. فالنصر ليس صدفة، ولا يأتي من فراغ، بل هو حصيلة عمل دؤوب واستعداد طويل الأمد، يتضمن التخطيط المادي والاستعداد النفسي، والعمل المتواصل لتحقيق الأهداف. كما أن النصر لا يقتصر فقط على تحقيق الإنجاز العسكري، بل يمتد إلى القدرة على الحفاظ عليه وترسيخه. التجارب التاريخية المعاصرة تثبت أن الشعوب التي أعدت عدتها واستعدت جيدًا قبل التدخل الخارجي تمكنت من تحقيق الانتصار، بعكس الحالات التي افتقدت فيها هذه العوامل الأساسية. دائمًا ما يرتبط النصر ذهنيًا وعمليًا بالقائد والقيادة واتخاذ القرار، وهو ما تعاني منه اليمن. الجميع يدرك أننا نعيش فراغًا قياديًا حرمنا لذة النصر، حيث أن غالبية القيادات تقضي جل وقتها في الخارج، واجتماعاتها تُعقد عبر الإنترنت. سنوات مضت ولم يقنعونا أنهم رجال المرحلة، وهذه العقدة يجب فكّها، سواء بإجماعهم، أو بتغييرهم. لم يعد مقبولًا أن ينتظر الشعب اليمني سنوات من الحوار بين الحوثي والسعودية ليؤدي هذا المجلس وظيفته المتمثلة في التوقيع على سلام مزعوم. في ليبيا، لم يكن تقدم قوات حفتر نحو العاصمة طرابلس وقوات فاغنر الروسية والدول الداعمة من خلفها ممكنًا لتحقيق النصر بدون تدخل خارجي تركي فقط. بل سبق ذلك عمل دؤوب واستعدادات داخلية كبيرة قام بها الثوار بقيادة موحدة، لديهم القدرة على اتخاذ القرار المصيري الذي يغير المعادلة على الأرض. منذ اللحظات الأولى للثورة، أظهر الليبيون صلابة وتنظيمًا في مقاومة النظام، حيث اعتمدوا على تسليح أنفسهم، وبناء شبكات محلية للدعم، وتنسيق العمليات العسكرية، ووحدة الصف. وعندما حانت ساعة الصفر، كان الثوار قد أسسوا قوة حقيقية قادرة على استثمار الدعم الخارجي، بما في ذلك التدخل التركي لاحقًا، لتحقيق النصر. الاستعداد الداخلي كان العامل الحاسم الذي سمح للثوار بتحقيق أهدافهم عندما جاء الدعم الدولي. في أذربيجان، التي خسرت إقليم كاراباخ في حربها مع أرمينيا في تسعينات القرن الماضي، لم تكن استعادة الإقليم نتيجة لحظة عابرة أو صدفة سياسية. على مدى سنوات طويلة، عملت أذربيجان على تحديث جيشها، والاستثمار في المعدات العسكرية، وتدريب جنودها بمستوى عالٍ. كما أقامت علاقات استراتيجية مع دول داعمة، أبرزها تركيا، التي أصبحت شريكًا قويًا في المعركة. عندما انطلقت العملية العسكرية لاستعادة كاراباخ، كان الجيش الأذربيجاني مستعدًا بشكل كبير، قادرًا على استخدام التكنولوجيا المتطورة والتكتيكات الحديثة لتحقيق التفوق الميداني. الدعم التركي، سواء من خلال الطائرات المسيّرة أو التدريب العسكري، كان عاملًا مساعدًا، لكن النصر في الأساس اعتمد على جاهزية أذربيجان واستعدادها الذاتي. وأخيرًا، في سوريا، رغم التعقيدات الكبرى، أظهرت الثورة في بدايتها نموذجًا مشابها للاستعداد الشعبي. عملت الجماعات المسلحة والمعارضة على بناء هياكلها الذاتية وإعداد نفسها لمواجهة نظام يمتلك تفوقًا عسكريًا كبيرًا. مع مرور الوقت، جاء التدخل التركي ليُغير معادلة الصراع في الشمال السوري، حيث قدم الدعم اللوجستي والعسكري لقوى المعارضة. لكن التدخل التركي لم يكن لينجح لولا وجود بنية تحتية من المقاومة المحلية، التي استفادت من هذا الدعم لتعزيز مواقعها ومواجهة التحديات على الأرض. أخيرًا، التجارب الليبية والأذربيجانية والسورية تؤكد أن أي نصر مستدام يبدأ من الداخل، حيث يعتمد على استعداد الشعب أو القوى المحلية من خلال التدريب، التنظيم، وبناء القدرات الذاتية، وبناء قيادة موحدة. في مقابل الفوضى، والعشوائية، وسوء الإدارة، والفساد، والمحسوبية، لا بد من تقوية مناعة الجسد. فمن الصعب على الجسد الهزيل المثخن بالأمراض أن يدخل حلبة المصارعة لتحقيق النصر. العامل الخارجي لا يلعب دورًا حاسمًا بدون استعداد داخلي. التدخل التركي، صحيح أنه لعب دورًا حاسمًا، لكنه لا يمكن أن يحقق النصر إذا لم يكن هناك أساس محلي قوي يمكن الاعتماد عليه. تركيا قدمت التكنولوجيا العسكرية والتخطيط، لكن نجاحها كان مرهونًا بوجود شركاء مستعدين على الأرض. أما في اليمن، فالشركاء متشاكسون، متفرقو الهوى، باستثناء عدد قليل. وهذا يعد أحد أكبر التحديات، حيث أصبح لكل عضو جيشه ونفوذه، مما يضعفنا داخليًا. العمل الطويل الاستراتيجي، سواء في ليبيا أو أذربيجان، كان النجاح فيه نتيجة لاستراتيجية طويلة الأمد، شملت تجهيز القوات وإقامة تحالفات دولية، مما جعل التدخل الخارجي أكثر فعالية ونجاعة. في حين أننا في اليمن، منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي واستراتيجية توقيع السلام مع الحوثي، نفتقد إلى استراتيجية حقيقية، مما ينعكس على كافة المستويات. في النهاية، تظهر التجارب أن النصر لا يأتي بسهولة ولا يهبط من السماء، بل يُصنع بجهود محلية مدروسة واستفادة ذكية من الدعم الخارجي. في اليمن، كما في أي مكان آخر، يبقى الأمل مرتبطًا بقدرة الشعب على الاستعداد والعمل المتواصل لتحقيق النصر والحفاظ عليه. * (المصدر أونلاين) شارك الخبر